مقامة أدبية رقم (٩) بعنوان عشق وجيدة / بقلكم الكاتبة والشاعرة هيام حسن العماطوري

مقامة أدبية رقم (٩) بعنوان  عشق وجيدة ..
           بقلم الكاتبة هيام حسن العماطوري/ سوريا
وبعد ُ...  ها قد عدت إليكم .. فكانت أوقاتي عصيبة ...تمر مابين  هينة وصعيبة ..طويت الليالي بإنتظار القمر ... وحلمت بورود أسقيها حب الدهر ..وأنا أحدث معاذ صديقي ..كيف بدات حكايتي  و يصغي لحديثي رفيقي ..أسامره بليلة مقمرة .. عن دروب عشقي المقفرة .. وعن معلمي و شهبندر التجار ..وأخذت أسرد  الأخبار ..فقد أمسيت الوسيط و لي بينهما رأي وقرار .. تعززت المحبة  ونمت ما بيننا صلة قوية لامعة ...والثقة لقلوبنا جامعة ..مرت تلك الليلة على مهل ...وفي قلبي شيء غامض يلفه الوجل ...فما القادم يا ترى ...وبعد مرور شهر أيها السادة ...كنت  على موعد ٍ مع السعادة ..فكان يومها الصباح جميل ...والقلب فِرح ٌ شمسه تميل ..يتخلله نسيم عليل ..وقفت أمامي بقامة ٍ فارعة ...ترتدي ثيابا ً مقصبة لامعة ..تبحث عن قطعة قماش رائعة...
عينيها مذبلة الأهداب لوزية واسعة...ويلي  لعمري إن لحضورها مهابة يوم الواقعة ..في جيدها  جواهر براقة .. كجيد ظبية قطوفها يانعة ..وقدها المياس رقة وعنج وإتزان ..زهرات عطرها فاحت كغصن البان ..تميد رشاقة بخطواتها ثبات ولين كالخيزوران ..
سلبت مني العقل و اللب... ذهلت من حضورها الباهي الى القلب .. بلحظة وقعت بالحب ...ومشيت خلف أهوائي دون تريث ..حالي كالضرير أو الأعشى سقط في الجب ...كأني لا أرى من حولي أحد ..ولا أسمع صوتاً غير هديلها سكن كياني بهزل ٍ وجد ..ويحي ماذا جرى لي ذاهل عن الوجود يتقاذفني الوجد . ؟..شعرت بأهدابي أثقلها الوداد ..وبأقل من هنيهات باتت سيدة الفؤاد ..كأني في عالم آخر من الزمان ..تربعت عرش روحي والوجدان ..ماذا أصابني يا قوم حالي يشبه الغائب عن الوعي يتشرذم مني الكلام شرود وهذيان ..من هذه الغانية ؟ وكيف أسرتني بأقل من ثانية ..لم أستطيع الخروج من الحالة ...إلا بصوت جاريتها يعلو قائلة : هيه نريد ثوباً من الحرير الهندي ..ألوانه مبهرجة ...آه نعم ..نعم طلبكم عندي ..وبدات أدور في الدكان كمن ْ تلقى ضربة على الرأس غيبّ مني الكيان ..ما بين ضجيج مشاعري وحالي ..  ويداي تبحث عن طلبهم الغالي ..جلبت لهن كراسي من الزان ..وقلت تفضلوا أيها الخلان  ..لعلي أتمالك نفسي وأخفي فرحتي أو بؤسي ..وأحضرت ثوباً بجماله تحفة ...يليق بقدها الرقيق ..قدمته  وفي عيني ّ وقلبي فرح ٌ وضيق كتمازج الألوان كانت مشاعري ... وكما يفعل بالأخضر واليابس الحريق ..هل هذا يروق جنابك سيدتي ..؟ تفحصت القماش بأنامل ناعمة كالحرير ..ورددت إنه جميل..  سأخذ الثوب كاملاً فهو بديع ...فكم حسابك أيها الشاب الوديع ... لعمري من رقة همسها بت صريع ...فأجبت بتأن ِ ...لن نختلف يا خانم ..فالذراع بعشرة دراهم ..ردت الجارية : لفه الآن ..وسوف نرسل بعض الخدام .. كأن قلبي خلع من صدري ..وزادت ناره ولهيبه ..أستوقفتها ..سيدتي لم أتشرف بأسم جنابك ...فردت الجارية ..سيدتي وجيدة ..أبنة شهبندر التجار الوحيدة ..سقط قلبي بين أقدامي الشريدة  ..تشرفت بقدومكن وزدت رفعة وسيادة ..أرجو أن تعاد الزيارة ...فكل حين يأتينا الجديد ..فلا تتباعدن في الإياب وقدومكن  لا يكون بعيد ...بأمان الله مع السلامة ..ومن يومها أصبحت أترقب الطريق  ..لعلها تخطر في حينا و تنجي الغريق .. ويحي ماذا فعل قلبي ..ومهجتي من حينها نيرانها تخمد وتستفيق ...فما الحل أيها السادة ..وقعت في الغرام أمر ما كنت أعتاده ... و ما كان بالحسبان ..أهو الحب  ..ما أعاني لهيب وجده زيادة .. منذ خطت قدميها الدكان وأنا ذاهل ٌ حيران ..تتقاذفني المشاعر..مرة أصبر ومرة أكابر ..هل أبوح بحبي ؟ ..والنوى والنجوى ..والسهاد والشوق تجمعوا جميعهم لقلبي ...أرشدوني أيها السادة ..سأترك بين أيديكم سؤالي ...وأجيبوني بالله عليكم فلا أغالي لو قلت أنها أمتلكت روحي ..وحالي ما عاد حالي ... هل أصارحها بوجدي ..وأبثها لواعج صدري ؟ ..فما سيكون من أمري لو علم أبيها ما أكنه لها من عشق وغرام ..وهل ستبقى الثقة بيننا بعد هذا الهيام ..؟  ...أو ماذا سأنال منه غير التعاسة والسقام ..ولسوف أعود بعد حين .. لأقص عليكم ما آلت إليه حكايتي ..وكم غالبني الحنين  ...إلى ذلك دعوني أفكر بطريقة تجمعني بوجيدة ...حبيبة الحارثة السعيدة ..ولي معكم لقاء  ...لن أطيل عليكم المكوث  .. فلكم في الروح متسع و بقاء .. عمتم صباحا ً  مساء ..ودمتم في سعادة و هناء ...

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

قصيدة مجنونتي/ بقلم الشاعر الراقي عصام الدين محمد